فصل: تفسير الآيات (21- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (21- 22):

{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)}
الضمير في قوله: {لنذيقنهم} لكفار قريش، أعلم الله تعالى أنه يصيبهم بعذاب دون عذاب الآخرة، واختلف المتأولون في تعيين {العذاب الأدنى}، فقال إبراهيم النخعي ومقاتل: هم السنون التي أجاعهم الله تعالى فيها، وقال ابن عباس وأبي بن كعب: هو مصائب الدنيا من الأمراض ونحوها وقاله ابن زيد، وقال ابن مسعود والحسن بن علي هو القتل بالسيف كبدر وغيرها.
قال الفقيه الإمام القاضي: فيكون على هذا التأويل الراجع غير الذي يذوق بل الذي يبقى بعده وتختلف رتبتا ضمير الذوق مع ضمير لعل وقال أبيّ بن كعب أيضاً هي البطشة، واللزام، والدخان. وقال ابن عباس أيضاً عنى بذلك الحدود.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويتجه على هذا التأويل أن تكون في فسقة المؤمنين، وقال مجاهد: عنى بذلك عذاب القبر، ثم قال تعالى: {ومن أظلم} على جهة التعجب، والتقدير أي لا أحد أظلم ممن هذه صفته، وهي بخلاف ما تقدم في صفة المؤمنين من أنهم إذا ذكروا بآيات الله خروا سجداً، ثم توعد تعالى {المجرمين} وهم المتجاسرون على ركوب الكفر والمعاصي بالنقمة، وظاهر الإجرام هنا أنه الكفر، وحكى الطبري عن يزيد بن رفيع أنه قال: إن قول الله تعالى في القرآن {إنا من المجرمين منتقمون} إنا هو في أهل القدر.
قال الفقيه الإمام القاضي: يريد القائلين بأن الأمر أنف، وأن أفعال العبد من قبله، قال ثم قرأ يزيد بن رفيع {إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 47- 49].
قال الفقيه الإمام القاضي: في هذا المنزع من البعد ما لا خفاء به، وروى معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث من فعلهن فقد أجرم، من عقد لواء في غير حق، ومن عق والديه، ومن نصر ظالماً».

.تفسير الآيات (23- 25):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)}
قرأ الناس {في مِرية} بكسر الميم، وقرأ الحسن بضمها، واختلف المتأولون في الضمير الذي في {لقائه} على من يعود؛ فقال أبو العالية الرياحي وقتادة: يعود على موسى، والمعنى لا تكن في شك من أن تلقى موسى، أي في ليلة الإسراء، وهذا قول جماعة من السلف، وقاله المبرد حين امتحن ابا إسحاق الزجاج بهذه المسألة، وقالت فرقة الضمير عائد على {الكتاب} أي أنه لقي موسى حين لقيه موسى، والمصدر في هذا التأويل يصح أن يكون مضافاً للفاعل بمعنى لقي الكتاب موسى، ويصح أن يكون مضافاً إلى المفعول بمعنى لقي الكتابَ- بالنصب- موسى، وقال الحسن الضمير عائد على ما يتضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى، وذلك أن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال: {ولقد آتينا موسى} هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس، وكأن الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقالت فرقة معناه فلا تكن في شك من لقائه في الآخرة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول ضعيف، وقالت فرقة الضمير العائد على {ملك الموت} [السجدة: 11] الذي تقدم ذكره، وقوله: {فلا تكن في مرية من لقائه} اعتراض بين الكلامين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أيضاً ضعيف، والمرية الشك، والضمير في {جعلناه} يحتمل أن يعود على موسى، وهو قول قتادة، ويحتمل أن يعود على {الكتاب} و{أئمة} جمع إمام وهو الذي يقتدى به وأصله خيط البناء وجمهور النحويين على أئمة بياء وتخفيف الهمزة، إلا ابن أبي إسحاق فإنه جوز اجتماع الهمزتين وقرأ {أئمة} وقرأ جمهور القراء {لَمَّا صبروا} بفتح اللام وشد الميم، وقرأ حمزة والكسائي {لِما} بكسر اللام وتخفيف الميم وهي قراءة ابن مسعود وطلحة والأعمش، فالأولى في معنى الظرف والثانية كأنه قال لأجل صبرهم، ف ما مصدرية، وفي القراءتين معنىلمجازاة أي جعلهم أئمة جزاء على صبرهم عن الدنيا وكونهم موقنين بآيات الله وأوامره وجميع ما تورده الشريعة، وقرأ ابن مسعود {بما صبروا}. وقوله تعالى: {إن ربك} الآية، حكم يعم جميع الخلق، وذهب بعض المتأولين إلى تخصيص الضمير وذلك ضعيف.

.تفسير الآيات (26- 30):

{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)}
{يهد} معناه يبين قاله ابن عباس، وقرأ جمهور الناس {يهد} بالياء فالفاعل الله تعالى في قول فرقة والرسول في قول فرقة، كأنه قال أو لم يبين لهم الهدى، وجوز الكوفيون أن يكون الفاعل {كم}، ولا يجوز ذلك عند البصريين لأنها في الخبر على حكمها في الاستفهام في أنها لا يعمل فيها ما قبلها، وقرأ أبو عبد الرحمن {نهد} بالنون وهي قراءة الحسن وقتادة، فالفاعل الله تعالى، و{كم} في موضع نصب، فعند الكوفيين بـ نهد وعند البصريين ب {أهلكنا}، على القراءتين جميعاً، وقرأ جمهور الناس {يَمشون} بفتح الياء وتخفيف الشين، وقرأ ابن السميفع اليماني {يُمَشّون} بضم الياء وفتح الميم وشد الشين، وقرأ عيسى بن عمر {يُمْشُون} بضم الياء وسكون الميم وشين مضمومة مخففة، والضمير في {يمشون} يحتمل أن يكون للمخاطبين بالتنبيه المحتج عليهم، ويحتمل أن يكون للمهلكين ف {يمشون} في موضع الحال، أي أهلكوا وهم ماشون في مساكنهم، والضمير في {يسمعون} للمنبهين، ومعنى هذه الآية إقامة الحجة على الكفرة بالأمم السالفة الذين كفروا فأهلكوا، ثم أقام عز وجل الحجة عليهم في معنى الإيمان بالقدرة وبالبعث بأن نبههم على إحياء الأرض الموات بالماء والنبات، والسوق هو بالسحاب، وإن كان سوق بنهر فأصله من السحاب و{الجرز} الأرض العاطشة التي قد أكلت نباتها من العطش والغيظ، ومنه قيل للأكول جروز. قال الشاعر:
***خب جروز وإذا جاع بكى ** ومن عبر عنها بأنها الأرض التي لا تنبت فإنها عبارة غير مخلصة، وعم تعالى كل أرض هي بهذه الصفة لأن الآية فيها والعبرة بينة، وقال ابن عباس أيضاً وغيره {الأرض الجرز} أرض أبين من اليمن، وهي أرض تشرب بسيول لا بمطر، وجمهور الناس على ضم الراء، وقال الزجاج وتقرأ {الجرْز} بسكون الراء، ثم خص تعالى الزرع بالذكر تشريفاً ولأنه عظم ما يقصد من النبات، وإلا فعرف أكل الأنعام إنما هو من غير الزرع، لكنه أوقع الزرع موقع النبات على العموم، ثم فصل ذلك بأكل الأنعام وبني آدم، وقرأ أبو بكر بن عياش وأبو حيوة {يأكل} بالياء من تحت، وقرأ ابن مسعود {يبصرون}، وقرأ جمهور الناس {تبصرون} بالتاء من فوق، ثم حكي عن الكفرة أنهم يستفتحون ويستعجلون فصل القضاء بينهم وبين الرسول على معنى الهزء والتكذيب، و{الفتح} الحكم هذا قول جماعة من المفسرين، وهذا أقوى الأقوال، وقالت فرقة الإشارة إلى فتح مكة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف يرده الإخبار بأن الكفرة لا ينفعهم الإيمان، فلم يبق إلا أن يكون {الفتح} إلا إما حكم الآخرة، وهذا قول مجاهد، وإما فصل في الدنيا كبدر ونحوها. وقوله تعالى: {قل يوم الفتح} إشارة إلى {الفتح} الأول حسب محتملاته، فالألف واللام في {الفتح} الثاني للعهد، و{يوم} ظرف، والعامل فيه {ينفع}، و{ينظرون} معناه يؤخرون، ثم أمره تعالى بالإعراض عن الكفار وانتظار الفرج، وهذا مما نسخته آية السيف. وقوله تعالى: {إنهم منتظرون} أي العذاب، بمعنى هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون، وقرأ محمد بن السميفع {منتظَرون} بفتح الظاء أي للعذاب النازل بهم.

.سورة الأحزاب:

.تفسير الآيات (1- 3):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)}
قوله: {اتق} معناه دم على التقوى، ومتى أمر أحد بشيء هو به متلبس فإنما معناه الدوام في المستقبل على مثل الحالة الماضية، وحذره تعالى من طاعة الكافرين وهم الملجون بالكفر والمنافقين، وهم المظهرون للإيمان وهم لا يبطنونه، وسبب الآية أنهم كانوا يتسخبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطلبات والإرادات ربما كان في إرادتهم سعي على الشرع وهم يدخلونها مدخل النصائح، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلقه العظيم وحرصه على استئلافهم ربما لاينهم في بعض الأمور، فنزلت الآية بسبب ذلك تحذيراً له منهم وتنبيهاً على عداوتهم والنوازل في طلباتهم كثيرة محفوظة، وقوله: {إن الله كان عليماً حكيماً} تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي لا عليك منهم ولا من إيمانهم فالله عليم بما ينبغي لك حكيم في هدي من شاء وإضلال من شاء، ثم أمره تعالى باتباع ما يوحى إليه وهو القرآن الحكيم والاقتصار على ذلك، وقوله تعالى: {إن الله كان بما تعملون خبيراً} توعد ما، وقرأ أبو عمرو وحده {يعملون} بالياء، والتوعد على هذه القراءة للكافرين والمنافقين أبين، وقوله: {كان} في هاتين الآيتين هي التي تقتضي الدوام، أي كان ويكون، وليست الدالة على زمن مخصوص للمضي، ثم أمره تعالى بالتوكل على الله في جميع أمره وأعلمه أن ذلك كاف مقنع، والباء في قوله: {بالله} زائدة على مذهب سيبويه، وكأنه قال وكفى الله، وهي عنده نحو قولهم: بحسبك أن تفعل، وغيره يراها غير زائدة متعلقة ب {كفى} على أنه بمعنى اكتف بالله، والوكيل القائم بالأمر المغني فيه عن كل شيء.

.تفسير الآية رقم (4):

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)}
اختلف الناس في السبب في قوله تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}، فقال ابن عباس سببها أن بعض المنافقين قال: إن محمداً له قلبان، لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول فقالوا ذلك عنه فنفاه الله تعالى عنه، وقال ابن عباس أيضاً بل سببه أنه كان في قريش في بني فهر رجل فهم يدعي أن له قلبين ويقال له ذو القلبين، قال الثعلبي وهو ابن معمر وكان يقول: أنا أذكى من محمد وأفهم، فلما وقعت هزيمة بدر طاش لبه وحدث أبا سفيان بن حرب بحديث كالمختل، فنزلت الآية بسببه ونفياً لدعواه، وقيل إنه كان ابن خطل، قال الزهري جاء هذا اللفظ على جهة المثل في زيد بن حارثة والتوطئة لقوله تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}، أي كما ليس لأحد قلبان كذلك ليس دعيه ابنه.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر من الآية أنها بجملتها نفي لأشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت وإعلام بحقيقة الأمر، فمنها أن بعض العرب كانت تقول: إن الإنسان له قلبان قلب يأمره وقلب ينهاه، وكان تضاد الخواطر يحملها على ذلك، ومن هذا قول الكميت: [الطويل]
تذكر من أنا ومن أين شربه ** يؤامر نفسيه كذي الثلة الإبل

والناس حتى الآن يقولون إذا وصفوا أفكارهم في شيء ما يقول لي أحد قلبي كذا ويقول الآخر كذا، وكذا كانت العرب تعتقد الزوجة إذا ظوهر منها بمنزلة الأم وتراه طلاقاً وكانت تعتقد الدعي المتبني ابناً فأعلم الله تعالى أنه لا أحد بقلبين، ويكون في هذا أيضاً طعن على المنافقين الذي تقدم ذكرهم، أي إنما هو قلب واحد، فإما حله إيمان وإما حله كفر لأن درجة النفاق كأنها متوسطة يؤمن قلب ويكفر الآخر، فنفاها الله تعالى وبين أنه قلب واحد، وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية متى نسي شيئاً أو وهم يقول على جهة الاعتذار {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}، أي إذا نسي قلبه الواحد يذكره الآخر، وكذلك أعلم أن الزوجة لا تكون أماً وأن الدعي لم يجعله ابناً، وقرأ نافع وابن كثير {اللاء} دون ياء، وروي عن أبي عمرو وابن جبير {اللاي} بياء ساكنة بغير همز، وقرأ ورش بياء ساكنة مكسورة من غير همز، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر وطلحة والأعمش بهمزة مكسورة بعدها ياء، وقرأ ابن عامر {تظّاهرون} بشد الظاء وألف، وقرأ عاصم والحسن وأبو جعفر وقتادة {تُظاهرون} بضم التاء وتخفيف الظاء، وأنكرها أبو عمرو وقال: إنما هذا في المعاونة.
قال القاضي أبو محمد: وليس بمنكر ولفظة ظهار تقتضيه، وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بكر عن عاصم {تَظَاهرون} بفتح التاء والظاء مخففة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {تظّهّرون} بشد الظاء والهاء دون ألف، وقرأ يحيى بن وثاب {تُظْهِرون} بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء، وفي مصحف أبيّ بن كعب {تتظهرون} بتاءين، وكانت العرب تطلق تقول أنت مني كظهر أمي فنزلت الآية وأنزل الله تعالى كفارة الظهار، وتفسير الظهار وبيانه أثبتناه في سورة المجادلة، وقوله: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} الآية سببها أمر زيد حارثة كانوا يدعونه زيد بن محمد، وذلك أنه كان عبداً لخديجة، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام معه مدة ثم جاء عمه وابوه يرغبان في فدائه فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم- وذلك قبل البعث-: «خيراه فإن اختاركما فهو لكما دون فداء»، فخيراه فاختار الرق مع محمد على حريته وقومه، فقال محمد عليه السلام: «يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه»، فرضي بذلك أبوه وعمه وانصرفا. وقوله تعالى: {بأفواهكم} تأكيد لبطلان القول، أي أنه لا حقيقة له في الوجود إنما هو قول فقط، وهذا كما تقول أنا أمشي إليك على قدم، فإنما تؤكد بذلك المبرة وهذا كثير، و{يهدي} معناه يبين، فهو يتعدى بغير حرف جر، وقرأ قتادة {يُهَدّي} بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال، و{السبيل} هو سبيل الشرع والإيمان، وابن كثير والكسائي وعاصم في رواية حفص يقفون {السبيلا} ويطرحونها في الوصل، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالألف وصلاً ووقفاً، وقرأ أبو عمرو وحمزة بغير ألف وصلاً ووقفاً، وهذا كله في غير هذا الموضع، واتفقوا هنا خاصة على طرح الألف وصلاً ووقفاً لمكان ألف الوصل التي تلقى اللام.